عمان – فراس برس: جمعة المصري ضابط في جهاز المخابرات العامة في الرابعة والثلاثين من عمره، من بوابة الشمال بيت حانون، أب لتسعة أفراد فقد اعز ما يملك، عناية الرحمن أنقذته من الموت المحقق، ولكن فقد أمل الحياة في أن يسير على قدميه من جديد ليبقى مقعدا في البيت طوال حياته يتمنى لو تتوفاه المنية لكان ارحم عليه من أن يري قدميه عاجزتين عن الحركة أو أن يفكر في أن يقف مجددا.
هذا الشاب فقد الأمل في أن يسير مجددا على قدميه بعد أن إصابته ثلاثين رصاصة هشمت عظامه ومفاصله بشكل كلي وتغيرت ملامحها،وأصبحت قطعاً من اللحم الممزق والعظام المهشمة عندما كان يدافع عن مقره في الأحداث الأخيرة المؤسفة في غزة.
يروي جمعة المصري قصة معاناته مع الألم فيقول 'في أول يوم من انقلاب حماس تلقيت اتصالا من مدير المخابرات معلنا حالة الطوارئ القصوى وضرورة التوجه فورا للدفاع عن مقراتنا وعدم السماح لميليشيات حماس باقتحام المبنى، فلبيت نداء الوطن وتوجهت بسرعة إلى المقر ولم نكد نصل إلى المقر حتى فوجئنا بوابل من الرصاص وقذائف الياسين والار بي جي تطلق علينا دون رحمة، جاءت لنا أوامر فدافعنا عن مقراتنا وكرامتنا بكل ما أوتينا من قوة، إطلاق النار علينا بدأ تقريبا في العاشرة مساء هذا غير الكمائن التي كانت تحيطنا من جميع الجهات.
ويضيف جمعة، كنت أنا واثنين من زملائي مرابطين على بوابة المقر فسمعنا استغاثات متواصلة من احدهم ' ألحقوني... ألحقوني' فاعتقدنا أن شاب أمسكت به الميليشيات الحمساوية فتوجهنا إلي صدي الصوت وعندما وصلنا إلى هناك إلا ورصاصات عديدة تباغتنا لا نعرف من أين تأتي والقي القبض علينا ولم نتمكن من الهرب وتم تجريدنا من السلاح، وكل ما نملكه من ذخيرة وعتاد وقاموا برصنا على جدار وتقييد أيدينا وراء ظهورنا وربطوا بشريط من القماش أعيننا وأصبحنا لا نرى شيئا سوى السواد وباتوا يتهامسون علينا ويفكرون كيف يتلذذون بقتلنا، اذكر أن احدهم قال 'يالله نلعب ملك وكتابة' وراهنوا إذا كان ملك رصاصة مباشرة بالرأس وإذا كتابة في القدمين، واتفقوا على ذلك وبدأت اللعبة وكان واحد منهم يقول' يالله نلعب على أول واحد و كان نصيب احد زملائي وبالفعل بدأوا باللعب فكانت ملك فقاموا بجره وأبعدوه عنا مسافة غير بعيدة وأطلقت رصاصة اعتقدت إنها في الهواء ولكنها كانت في رأس زميلي فأردوه قتيلا' هنا لم يتمالك جمعة نفسه فأجهش بالبكاء كطفل صغير استمر أكثر من خمس دقائق وهو يستذكره بأخلاقه وصفاته الطيبة وكرامته ورجولته.
ثم أكمل جمعة قائلا، 'جاء دوري وزميلي محمد أتذكر واحد منهم قال يا لله نقتلهم زى الأول ونرتاح منهم فرد عليه صديقه قائلا 'قتلنا واحدا ورملنا مرتو خلينا نشوههم بس بدون قتل حرام نقتلهم' وساد في المكان صمت مخيف وقاتل في هذه اللحظة كنت أنا ومحمد ننطق الشهادتين وبعد دقائق صغيرة سمعناهم يستعدون لإطلاق النار علينا فاقتربت من صديقي أكثر والتصقنا ببعضنا البعض وبدأت رصاصات الغدر تطلق على أرجلنا شعرت في أول رصاصة تخترق جسدي وبعدها لم استيقظ إلا وأنا على فراش المستشفي أنادي محمد.... محمد..'.
ويتابع' عندما فتحت عيني سألت عن محمد وقالوا لي أن محمد بخير وهو بالغرفة المجاورة ولكن بترت قدماه فلم أتمالك نفسي وأصررت على أن أراه ولكن الأطباء منعوني من الحركة، كان همي الوحيد أن أري صديقي محمد ولم انتبه لنفسي إلي أن قدماي كانت كمصير قدما محمد وصرخت بأعلى ما أعطاني الله من قوة واناجي الله وأنادي على محمد الذي يواجه مصيبة تماثل مصيبتي.
يقول جمعة أنه يعيش أتعس وأصعب أيام حياته وهو يرى أطفاله ويتساءل كل لحظة من أين سأطعمهم؟ وأنا عاجز حتى أن أسقي نفسي كأسا من الماء؟ و ما الذنب الذي ارتكبناه حتى تقطع أرجلنا بهذه الوحشية والتي لا تمت للإسلام بصلة.
وقال 'نحن جميعنا مناضلون ومنا من سجن وتعذب على أيدي الاحتلال'، هل ذنبنا الوحيد أننا من أبناء فتح التي نفتخر بها وبتاريخها وبنضالها وبالنهاية يستباح دمها على أيدي من يدعون الإسلام وهو بريء منهم ومن أفعالهم؟.
السبت سبتمبر 29, 2007 6:58 pm